عقرب وبيرة.. أعذار مصريين تغيبوا عن العمل قبل 3 آلاف سنة
كتب – فريق التحرير
غالبا ما تبهر الحضارة المصرية القديمة العالم بمعالمها الحضارية والإنشائية الضخمة، مثل الأهرامات الثلاثة، وأبو الهول، ومعبد أبوسمبل، والكرنك وغيرها، غير أن هناك اكتشافات أخرى فاجأت علماء الآثار والمتخصصين مثل الكشف عن سجلات الحضور والانصراف للعمال في مصر القديمة، قبل أكثرمن 3 آلاف عام
فكما هو متبع في الشركات والمؤسسات اليوم من تسجيل حضور وانصراف العاملين وأيام الغياب، أسس المصري القديم قبل أكثر من 3500 عام نظاما مشابها في عصر الملك رمسيس الثاني
فقد أكد كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار المصرية، مجدي شاكر، في تصريحات خاصة لـ”العربية.نت” و”الحدث.نت”، أن أشهر سجلات حضور وانصراف العمال في مصر القديمة هي لوحة “الأوستراكا” وهي لوحة من الحجر الجيري تم اكتشافها بمنطقة “دير المدينة”، لا تزال محفوظة في المتحف البريطاني
كما أوضح أن “الأوستراكا” ترجع إلى عصر الأسرة التاسعة عشرة، في العام الأربعين من عهد الملك رمسيس الثاني، وتحتوي على سجل لحضور وتغيب العمال في “دير المدينة” على مدار 280 يوماً وهي أيام العمل المسموح بها طوال العام في مصر القديمة
إلى ذلك، أكد الخبير المصري أن هذه اللوحة تكشف جانبا غير عادي جعل من مصر واحدة من أعظم الحضارات التاريخية التي مرت على البشرية على مر التاريخ. وأضاف أنها تكشف مدى دقة ونظام العمل حينها، والذي أدى إلى واحدة من أعظم وأقدم الحضارات في تاريخ البشرية
أما عن تفاصيل اللوحة، فأوضح أن كاتب الأنفار كان يدون أسماء العمال الحاضرين، إلى جانب كشف بأسماء المتغيبين وسبب الغياب وقد خطت باللون الأحمر
كما لفت إلى أن بعض أسباب التغيب قد تكون مفاجئة. ففي “الأوستراكا” ورد على سبيل المثال أن العامل “أنحور خاوي” تغيب في الشهر الرابع من فصل الربيع في اليوم السابع عشر من أجل معاونة زوجته بسبب “الدورة الشهرية
كذلك ورد أن كلا من العمال “نفرابو” و”سيبا”، و”سيموت”، و”رع حتب”، تغيبوا في أيام مختلفة من العام لمعاونة زوجاتهم أو بناتهم أثناء “الدورة الشهرية” التي كانت أحد الأسباب المقبولة والشائعة لدى العامل في مصر القديمة التي توجب له الحصول على إجازة عمل مدفوعة الأجر، ما يثبت مدى التقدير الكامل والاحترام غير العادي الذي لاقته المرأة في مصر القديمة
أما عن حجج الغياب الأخرى التي تم تدوينها بسجل الحضور والانصراف والغياب، من دون غياب أحد العمال بسبب “الذهاب إلى المعبد”، كما جاء سبب غياب عامل آخر بسبب الاحتفال بعيد ميلاد ابنته
وأضاف شاكر، أن أحد العمال دون بلوحة “الأوستراكا” سبب تغيبه الذي كان شائعا أيضا في ذلك الوقت، وهو حضور مراسم تحنيط أخيه، بينما جاء غياب آخرين بسبب التعب أو الإرهاق أو اعتلال المزاج حتى
كما أردف أن إحدى حجج الغياب المدونة على اللوحة المذكورة هي “التعرض للدغة عقرب”، والذي كان شائعا في دير المدينة التي كانت تقع في عمق الصحراء بجوار وادي الملوك في الأقصر جنوب مصر
أما أكثر الأعذار دهشة فكان بحسب الخبير الأثري “تخمير البيرة”، حيث كانت تعتبر البيرة شرابا يوميا رئيسيا، كما كانت تقدم في الاحتفالات والمهرجانات، وكان العمال في الأهرامات يحصلون على 10 مكاييل يوميًا منها. ويبدو أن تخمير البيرة كان واجبًا مقدسًا لدى المصري القديم
كما تضمنت أسباب الغياب الأخرى بناء المنزل، أو رعاية الوالدين، والقيام بأعمال ومهام أخرى، ما يقدم نظرة فريدة على الحياة اليومية والثقافة الغنية للمصريين القدماء
في حين أوضح شاكر أن ساعات العمل كانت تبدأ مع شروق الشمس وتنتهي بغروبها، وتشمل وقتا للراحة في منتصف اليوم، حيث يتناول خلاله العمال وجبة الغداء
كما لفت إلى أنهم كانوا يحصلون على يوم إجازة كل 10 أيام عمل، حيث كان الشهر يقسم إلى عشور، فيما يحتوي الأسبوع على 10 أيام وليس 7 كما في الوقت الحالي
من جانبه كشف عالم الآثار المصري الكبير الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، في تصريحات خاصة لـ العربية.نت/ الحدث.نت، أنه عثر في الحفائر التي اكتشفها في منطقة وادي الملوك على لوحة أثرية عمرها يزيد عن 3 آلاف عام تبين أن عمال بناء مقابر الملوك والملكات كانوا يوقعون بالحروف الأولى من أسمائهم وذلك لإثبات حضورهم للعمل
وأشار إلى أن السجلات لم تكن تدون الحضور والانصراف فقط، بل تشمل أيضا كشوفا بأسماء العمال المتغيبين مع كتابة الأعذار
أما سبب التدوين هذا فكان التوثيق وتقدير رواتب العاملين أيضا، بحيث يتم صرف مرتباتهم نظير حضورهم وعملهم كما هو متبع في عصرنا الحالي
كما ذكر العالم المصري الكبير مؤكدا أن المصري القديم كان متطورا لدرجة كبيرة، حيث كان على أعلى مستوى من الرقي
وختم لافتاً إلى أن العمال في مصر القديمة كانوا يعاملون باهتمام كبير ويتلقون أفضل معاملة من الملوك والوزراء، ما يعكس مدى تحضر المصريين عبر التاريخ والعصور المختلفة