الجامعة العربية بلا أنياب لماذا؟

العزب الطيب الطاهر صحفي من أنزه الصحفيين المتخصصين في الشأن العربي وأكثرهم فهما وتعقلا .. وهو زميل وصديق تشرفت بمعرفته خلال رحلة الصحافة التي أخذتنا إلى مناطق لم نكن نحلم بدخولها في البر والجو وعرض البحر كما قابلنا شخصيات منها من أدار العالم من وراء الكواليس ومنها من لازال يدير ويدبر ويخطط لذا فإن كاتبا بحجم العزب الطيب الطاهر عندما يكتب ويرصد فإنه يحدد بوصلة لا تخيب خاصة وأن العزب من الصحفيين القلائل جدا الذي يعرف قيمة قلمه ويعلم تماما أن قلمه وصوته وضميره لم ولن يكون للبيع على الدوام .. شكرا لصديقي العزب بالسماح لنا بنشر هذا اللقاء والمقال والرؤية التي نشرت في الأهرام المصري

أجرى الحوار والتحليل – العزب الطيب الطاهر

 تعكس الموافقة الجماعية على الطلب المصرى، بالتجديد لأحمد أبو الغيط أمينا عاما لجامعة الدول العربية ، لفترة ثانية تبدأ فى الأول من يوليو المقبل، ثقة فى قدرات وكفاءة، بل قل ومهارة الرجل فى العبور الآمن بالنظام الإقليمى ،إبان سنوات فترته الأولى ،التى أنطلقت فى الأول من يوليو 2016 ، وتنتهى فى الثلاثين من يونيو المقبل ، وهو ما تجلى فى عدم اعتراض أى من وزراء ،أو ممثلى الدول الذين شاركوا فى الاجتماع التشاورى ،الذى سبق إنعقاد الدورة 155 لمجلس الجامعة ،التى عقدت على مستوى وزراء الخارجية فى حضور مكثف لافت على الرغم من جائحة كورونا، على عكس ما جرى فى جلسة ترشيحه للمرة الأولى فى يونيو

  وطبقا للسفير حسام زكى الأمين العام المساعد للجامعة ،والذى تم التجديد له لمدة خمس سنوات جديدة من قبل المندوبين الدائمين وموافقة وزراء الخارجية ، فإن الأجواء التى جرى فيها التجديد للزمن الثانى لأبو الغيط كانت إيجابية ،لكن الأهم ماتعكسه هذه الخطوة -حسب رؤية زكى – أن هناك رغبة لعدم ترك الجامعة تتهاوى ، نافيا ما تردد من اعتراض قطر على هذا التجديد وذلك يعود – الكلام لكاتب هذه السطور – إلى نتائج اتفاق قمة العلا الخليجية ،التى عقدت فى مطلع يناير الماضى بمشاركة مصر ،الذى وضع اللبنة الأولى فى بناء المصالحة بين دول الرباعى العربى وقطر

 وفى هذا السياق فإن وزير الخارجية المصرى سامح شكرى، التقى نظيره القطرى الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثانى على هامش الوزارى العربى بالقاهرة ، ولو أن ثمة اعتراضا قطريا وقع خلال الاجتماع التشاورى، ما كان يمكن لمثل هذا اللقاء أن يتم بين الوزيرين ، فضلا عن ذلك فإن آل ثانى قدم فى المؤتمر الصحفى المشترك ، الذى عقده مع أبو الغيط عقب اختتام وزراء الخارجية اجتماع دورتهم، تهنئته للأمين العام وفى مقابل هذه الموافقة الجماعية، فإن أبو الغيط فى خطاب قبوله التكليف بالاستمرار على رأس الأمانة العامة للجامعة العربية ،أعرب عن شكره للقيادة السياسية المصرية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسى ،الذى ساند هذه الخطوة من خلال توجيه رسائل للقادة العرب ،الذين تجاوبوا معها ،كما أعرب عن خالص امتنانه بهذه الموافقة قائلا : :”لقد شرفني مجلس الجامعة الموقر بثقته الغالية بهذا التكليف وأتقدم من خلال الوزراء، بالامتنان والتقدير إلى قادة الدول العربية وضعوا ثقتهم في شخصي

وأضاف :”تعودت عبر سنوات خدمتي العامة أن أمتثل لنداء الواجب بروح الجندي المقاتل ولا أظن أن واجباً يعلو على خدمة الأمة العربية أو أن شرفاً يسمو على تمثيل هذه المنظمة العريقة الجامعة للعرب “. وتابع  لقد عملتُ طوال السنوات الخمس الماضية وسط ظروفٍ عربية تعلمون مدى صعوبتها وضغطها.ووضعتُ نصبَ عيني – في المقام الأول- الحفاظ على هذا البيت العربي الذي نجتمع تحت مظلته.. فهو بيتٌ عزيز علينا، وعنوانٌ لاتحاد كلمتنا لا ينبغي أن تتهاوى جدرانه ، أو أن ينهدم بنيانه تحت أي ظرف .

ولفت أبو الغيط إلى أنه “منذ منتصف 2016 عملنا باجتهاد وانضباط وصرامة ومهنية.. حققنا قدراً من النجاحات، ولم نوفق في تحقيق العديد من الطموحات”،متعهدا بمواصلة الجهد والعطاء ، آملاً في تفهم وزراء الخارجية وتأييدهم واستمرار دعمهم لعمل الأمانة العامة مؤكدا “أن كل جهدٍ يتم بذله ليس سوى محصلة لاجتماع إرادة الوزراء وكل نجاح يتحقق هو في النهاية منسوبٌ لهم”

 مشدداعلى أن الجامعة العربية سوف تبقى العنوان الأهم والأبرز للعروبة والسقف  والسقف   الجامع للعرب في كل الظروف

بالطبع تنتظر أبو الغيط جملة من التحديات خلال فترته ،الثانية وهى ليست مقطوعة الصلة بالفترة الأولى ،بيد أنها ستتطلب فعالية وديناميكية أكثر ، خاصة أن يمتلك التصور والرؤية للتفاعل معها وتقليض مساحة مخاطرها ،على النظام الإقليمى العربى وعلى الأمن القومى العربى

يمكن رصد أهم هذه التحديات فيما يلى : أولا : وهو تحد أشار إليه أبوالغيط نفسه فى السطور السابقة ،وهو المحافظة على بناء الجامعة مستعصيا على الانهيار ،وذلك سيتوجب منه تحركا نشطا للإنتهاء من هيكلة الجامعة وتطوير ميثاقها ،بمعنى آخر إعادة ترتيب البيت الداخلى للجامعة ،باتجاه توفير المزيد من الآليات والقواعد التى من شأنها ،أن تجعلها أكثر قدرة على الإنخراط فى الواقع العربى ،وبلورة الحلول للأزمات والقضايا المعقدة التى يواجهها منذ ما يسمى بثورات الربيع العربى ، غير أن المعضلة التى يواجهها الأمين العامم فى هذا الصدد، لا تكمن فى رغبته هو شخصيا وفريقه المعاون ،وهى من خلال متابعة “الأهرام العربى” قوية ،ولكن تتصل بشكل أساسى بإرادات الدول العربية فثمة تقرير يتضمن خطوات محددة لإنجاز هذه الهيكلة وهذا التطوير ،عرض على كل القمم العربية الدورية منذ قمة بغداد 2012 وكان قرار القادة يأتى دائما بإحالة التقرير لمزيد من الدراسة .

ولعل ذلك يفسر الوضعية القانونية للجامعة ،التى ربما لايدركها الكثيرون ،الذين يرددون السؤال الأبدى: أين دور الجامعة العربية، والتى يشير إليها السفير حسام زكى الأمين العام المساعد للجامعة ومدير مكتب الأمين العام ، وتتمثل فى أن الجامعة – وفقا لميثاقها الذى أقر فى العام 1945 – كيان تنسيقى بين الدول الأعضاء فيها وليست كيانا فوق الحكومات ،ما يجعل بعض الأمور خاضعة للسيادة الوطنية للدول – إن لم يكن أغليها – وليس لإرادة الأمانة العامة ،التى تمثل فى النهاية حصيلة إرادات الدول الأعضاء مجتمعة

وعندما تحدث وزير الدولة السعودى للشئون الأفريقية أحمد قطان مؤخرا ،عما وصفه بغياب أنياب الجامعة ،تساءل زكى من أين تأتى الأنياب، وهى بهذه الوضعية التنسيقية التى نص عليها ميثاقها منذ 76 عاما ، ما جعلها غير قادرة على الوصول إلى المستوى الذى بلغه الاتحاد الإفريقى أو الاتحاد الأوربى ،وكلاهما حصل على تنازلات من الدول الأعضاء فيما يتعلق بصلاحياتهما , معتبرا أن ما يقوله الوزير قطان طموح مشروع ، لكنه يخضع بالدرجة الأولى لإرادات الدول العربية ذاتها ،موضحا أنه “إن أردنا تغيير هذه الوضعية فإنه يتعين على هذه الدول أن تقبل بالتنازل عن بعض جوانب سيادتها الوطنية لصالح الجامعة ،وهو ما يطرح علامة استفهام فيما إذا كانت هذه الدول جاهزة للقيام بمثل هذه الخطوة” ، معربا عن أمله فى أن يتطور كيان الجامعة ولايقف عند حد التنسيق فقط بين دول تحتفظ بسيادتها الوطنية ومع ذلك أجزم أنه عندما تقرر الدول العربية التنسيق فيما بينها فإنها تكون قادرة على ذلك ،وهو أمر متاح وممكن وليس مستحيلا ،لكنه يتطلب أولا توافق إراداتها، وقد لمست ذلك بنفسى من موقعى فى الجامعة”.

 وهنا يشدد الأمين العام المساعد على أهمية الفصل بين إرادات الدول الأعضاء، وإرادة وقدرات الأمين العام للجامعة فهو مختار من القادة العرب لخدمة القضايا العربية وحسن إدارة الأمانة العامة بشكل منضبط ،ومن يرغب في تقييم تجربة الأمين العام خلال السنوات الخمس الماضية ،يتعين عليه أن يستند فى ذلك إلى ما تحقق من ضبط أداء الأمانة العامة ماليا وإداريا ، وعما إذاكانت قد وقعت فى عهده تجاوزات مالية أو إدارية أو أمور تتعلق بالفساد المالى أو المحسوبية أوعلى صعيد الإنفاق،مؤكدا أن موزانة الجامعة صفرية منذ أكثر من 12 عاما ، أى أنها لم تتغير قيمتها المحددة ب60 مليون دولار سنويا

 التحدى الثانى : يتمثل فى الإسراع بحشد حركة وجهد وخبراء الجامعة، فى الإنخراط فى الأزمات العربية الملتهبة ،صحيح فرض على الجامعة خلال السنوات المنصرمة بالذات عقب ثورات الربيع العربى الغياب القسرى، عن التفاعل مع هذه الأزمات ،التى باتت تشكل تهديدا خطيرا للأمن القومى العربى والاستقرارالإقليمى ،غيرأنه يبدو أن هناك شعورا عربيا متزايدا بأهمية الزج بالجامعة كطرف فاعل، إلى جانب الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى التى ترتفع منسوب تأثيرها على هذه الأزمات خصما من التأثير العربى، والمأمول أن يبادرالأمين العام بالتواصل ،بالذات مع العواصم العربية المؤثرة ،لبلورة تصور عربى واضح القسمات ومحدد الآليات للتعامل مع هذه الأزمات ،مستغلا فى ذلك الآثار الإيجابية التى نتجت عن الاجتماع التشاورى لوزراء الخارجية العرب ،على هامش اجتماعهم الطارئ فى الثامن من فبراير الماضى ، بناء على دعوة مصرية أردنية ،والذى أكدت خلاله مختلف الدول العربية ،حرصها على استعادة الزخم للعمل العربي المشترك ،استنادا إلى رؤية تواكب التطورات وتسعى لتحقيق مصالح الشعوب العربية ،في عالم متغير تتعدد فيه التحديات، وضبط مسارات حركته ،فى ظل قاعدة شدد عليها الوزراء ، تتمثل فى أن الدول العربية مجموعة تحت مظلة جامعة الدول العربية تدافع عن مصالح مشتركة، وعن الأمن القومي العربي، وسط التفاعلات والتطورات المختلفة على الساحة الدولية، بما يحول دون الضغوط والتدخلات من القوى الإقليمية والدولية ،لتحقيق أجندات ومصالح تلك القوي على حساب المصالح العربية، وتسعى للحفاظ على مفهوم ومنطق الدولة تامينا لوحدة الشعوب، بعيدا عن منطق الانقسام داخل المجتمعات العربية والتأكيد على وجود دور عربي جماعي فاعل في مقاربة التحديات الإقليمية وجهود حل الأزمات التي تعصف بالمنطقة

 وفى هذا السياق ، فإن كلا من مصر والسعودية أكدتا فى اجتماع لجنة التشاور السياسى ،التى عقدت بالرياض بين سامح شكرى وزير الخارجية المصرى ونظيره السعودى الأمير فيصل بن فرحان ،على أهمية تفعيل الدور العربى ودور الجامعة العربية فى حل الأزمات العربية ،وكل هذه المعطيات توفر بيئة مواتية للتحرك المرتقب ،من قبل أبو الغيط بهذا الاتجاه ،فهل تتحول كل هذه المعطيات إلى فعل وخطوات محددة تدفعه إلى الأمام ؟

Who

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com